السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخترت لكم مقالا جميلا للكاتب العراقي المخضرم الأستاذ عبد الرحمن الصباغ يتحدث فيه عن الأسباب الأساسية وراء كتابتنا للغة العربية من اليمين لليسار ؛ حيث يقول :
يتساءل المرء أحيانا لماذا نكتب نحن العرب من اليمين الى اليسار، وبطبيعة الحال فإن أول جواب يتبادر لذهننا هو بما أننا نستخدم يدنا اليمنى فسيصبح من البديهي أن نكتب من اليمين لليسار. والجواب وإن كان صحيحا في بعض جوانبه، لكن سنكتشف بعد برهة أن هناك أناسا يستخدمون اليمنى ولكنهم يكتبون عكسنا أي من الشمال باتجاه اليمين وأحيانا من الأعلى للأسفل.
إذن يبدو واضحا بأن الأمر لايرجع لاختيار اليد فقط في تحديد اتجاه سيرخط الكتابة وإنما أيضا لأسباب عديدة أخرى منها الطبيعية والثقافية والعملية وأيضا المتعلقة بأدوات التدوين وباختيار شكل الحروف وطرق كتابتها. فاليد اليمنى طبيعيا وعند الغالبية العظمى من الناس أكثر مهارة وقوة من الشمال إلا إذا كان المرء أيسرا.
وثقافيا هي مفضلة عند الكثير من الشعوب ومنها العربية، بل وتكتسب عملية التفضيل هذه أحيانا نوعا من الطقوس الدينية والاجتماعية عندما يتعلق الأمر باختياراليد اليمنى للمصافحة والسلام أوالأكل والشرب والتشهد…الخ، ولما كانت الكتابة في الشرق القديم تعتبر نشاطا مقدسا وخطيرا لما لها من أهمية وارتباط بنسخ النصوص الدينية وأيضا السحر أو القوانين والتشريعات والأحكام الصادرة من السلطة أصبح من البديهي أن يبدأ بها من اليمين لأهميتها في نظرالناس، وكذلك كل تلك النشاطات الحياتية المهمة التي يراد أن يعود مردودها بالخيروالبركه على صاحبها، ذلك ان اليد اليمنى يعهد اليها بالأمورالنبيلة دون اليسرى التي يعهد لها بأمور حياتية أقل شأنا.
أما الأسباب العملية فهي عديدة وقد جعلت الحروف العربية تتطور تدريجيا لتكتب من اليمين الى الشمال فأنت لو حاولت كتابتها من الشمال الى اليمين لوجدت صعوبة واضحة.
الشيء الآخر هو أن الكتابة العربية تتميز بحروف قابلة للصق فيلاحظ وجود رسم معين لحروف بداية الكلمات وتلك الوسيطة ولآخرالكلمة في حين أن الحروف اللاتينية والتي هي أصلا حروفا منفصلة، ويجوزلصقها فقط حين الكتابة اليدوية، تخلو بطبيعة الحال من الحروف الوسطية أو الأولية أو الأخيرة ما دامت لا تلصق حروفها في الكلمة الواحدة، فالأصل فيها والحال هذه اذن أن تكون واقفة على السطر،عكس الحروف العربية التي تحورت وبمرونة لتكون قابلة للصق بواسطة وصلة ربط وهذا ما سيجعل الحرف الذي يسبق هذه الوصلة مضطرا للتمدد على السطرأي قبل الوصل ليسهل عملية لصقه بالحرف الذي يليه وهذه العملية لن تتم بالشكل الجيد الا اذا تمت الكتابة من اليمين الى الشمال بهذه الحروف.
ولننظر الآن لحروفنا العربية عند الكتابة، سنجد ان هنالك حرفين فقط، متشابهين لحد بعيد، يقفان عموديا على السطر وهما تحديدا الألف واللام من مجموع الثمانية وعشرين حرف للأبجدية العربية، وسنجد أيضا خمسة حروف لا تتمتع بقابلية ربط بوصلة تليها، ثلاثة منها فقط تكتب تحت السطرهم الزاي والراء والواو، وقد يعترض البعض ويقول ان حرفي الطاء والظاء أيضا يقفان عموديا على السطر والحقيقة أن الخط القائم الموجود عليهما هو حرف الألف بعينه، فالطاء هي تاء مضخمة بالأليف والظاء هي ضاد مضخمة أيضا بالأليف أي بعبارة أخرى ان هذه الحروف بغالبيتها طورت، ما عدا ألألف واللام، لكي تكتب بشكل أفقي وبسلاسة على السطر من اليمين للشمال بحيث تستطيع العين تصحيح الخط وضبطه بسهولة.
الشيء الآخر هي الأدوات المستخدمة في التدوين فمن المعروف أن الكتابة تتأثر شكلا ونوعا تبعا للأدوات التي تستخدم في رسم الحروف أكانت أزميلا أم شفرة أم فرشاة أو قلم..الخ،وكذلك نوعية المادة التي سيتم الرسم عليها ان كانت حجرا أم طينا او جلدا أم قماشا أوغيره كصحف البردي كما عند قدماء المصريين ومن ثم الورق بعد تحسين صناعته في بغداد أيام الرشيد،ولكل من هذه المواد أداتها الخاصة التي تناسبها فمما لاشك فيه مثلا أن الوقت الذي سيستغرقه نقش الحروف على الحجرأوالطين لن يكون نفسه بكتابتها على البردي والورق،اذ يفترض بأن يتوفرعند الأول الوقت الكافي لنقش حروفه والتي ستكون بالضرورة منفصلة أو تراكمية كما في الكتابة المسمارية على الطين وهي سوف لن تكون ملتصقة اذ أنه لم تكن هناك ضرورة لذلك، فهذه العملية أي لصق الحروف مع بعضها البعض لم تتحقق الا بالأنتقال من الكتابة المنقوشة اذا جازت العبارة الى الكتابة الخطية المعروفة بواسطة القلم والمداد فكلما تحسنت أدوات الكتابة وأصبحت أكثرمرونة وسهولة استطاع الكاتب أن يكتب بسرعة وأن يلصق حروف الكلمة الواحدة بقدرالمستطاع أختزالا لفتح المجال لكتابة كلمات أخرى على الحيز المحدد وأيضا لتمييز الكلمة عن التي تليها والتي تسبقها.
والشرق كان سباقا بأستنباط أدوات أسهل وأكثرعملية للكتابة بسبب كونه السباق لأكتشاف فن الكتابة لذا فهو طور حروفه لتتناغم مع هذه الأدوات الجديدة وبسلاسة فالمداد يسيل من القلم ويسهل من عملية انزلاقه على الصحيفة الملساء البيضاء فتمتد وتتمدد كلمات مخطوطة دوائر وأهلة وأشرعة وأمواج من اليمين للشمال بهرمونية وجمالية متناهية أكسبت الخط العربي شهرة عالمية لاتنافس.أما في المناطق الأخرى من العالم وخصوصا المناطق التي يتوفر فيها الحجر بكثرة والتي تأخرفيها ظهور الكتابة مقارنة بالمشرق فقد كان فعل الكتابة نادر وحين الضرورة القصوى وهي غالبا ما كانت على الحجر،وهذه الطريقة صعبة ومضنية وتتطلب مهارة تامة لذا فأن فن الكتابة لن يجيده سوى قلة من الناس الذين يستطيعون نقشها. وهذا عامل معوق بحد ذاته.من ناحية أخرى يتوجب عليك أن تستعين بكلتا يديك لنقش الحرف على الصخر وبطبيعة الحال سيكون الأزميل في اليد اليسرى والمطرقة باليمنى وعلى هذا الأساس فأنك ستنقش بيدك اليسرى ومن الأفضل لك اذن لكي تسيطر على ازميلك ونقشك أن تبدأ من اليسار لليمين وبحروف منفصلة واقفة ما دام عندك متسع من الوقت.
إن فن الكتابة في أوربا لم يتطور بما فيه الكفاية ليصبح فنا كتابيا خطيا الا في الكتابة اليدوية الملصقة في حين ضلت الحروف المطبعية كما هي تنسخ نفس تلك الحروف اللاتينية التي نقشت أولا على الصخر.
إن اختراع القلم والمداد في المشرق وربما تحديدا في مصركان نقلة عملاقة بالنسبة لفن الكتابة الحقيقية بمعناها العملي،وليس النقش،والتي بدأت على الجلود و القماش وغيرها من المواد ثم ترسخت على الصحف المصنوعة من البردي ومن ثم الورق الذي جائت صنعته من الصينيين الذين كانوا يستخدمون الفرشاة بدل القلم.
ولقد أنتشر استخدام الورق وجودت صناعته في المشرق العربي بشكل واسع والسبب يعود لأستخدامهم القلم في الكتابة الذي التقى وتناغم مع الورق القادم من الصين أولا.
القلم جعل الكاتب ينتقل من النقش إلى الكتابة أي مكنه أن ينزلق خطيا على الصحيفة بعد أن كان ينقش الحروف نقشا الشيئ الذي جعل الحروف تأخذ أشكالا مرنة وجديدة تتواصل بها مع القلم.وقد كانت الحروف العربية قد بدأت هذا التطور منذ اكتشاف القلم والمداد لفترة طويلة تسبق ظهورالورق،فالكتابة العربية على عهد الرسالة كانت قد وصلت لمرحلة متقدمة حتى أنها لا تختلف كثيرا عن الكتابة في الوقت الحاظر سوى بالتفاصيل الثانوية كالنقاط وأنواع الخطوط .
ولاننسى أن نشير ونحن بصدد الكلام عن القلم كيف تحدث أول آية قرآنية أنزلت بفضل القلم على الأنسان. في حين أن تأخر استخدام الورق في أوربا،والذي أنتقل أليهم تدريجيا فيما بعد من خلال العرب في الأندلس وأيضا التجارة البينية أومن خلال الحروب الصليبية،وكذلك بسبب استخدامهم للاتينية كلغة دينية ومعرفية وهي لغة شبه ميتة أدى الى بقاء الحرف اللاتيني وليومنا هذا جامدا غيرمتساوقا مع أستخدام الورق والقلم أي بكلمة أخرى لايزال الحرف اللاتيني يكتب كما كان ينقش على الحجر واقفا على السطر ومنفصلا الواحد عن الآخرالا في حالة الكتابة اليدوية.وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل الكتابة عند الأوربيين هي من الشمال لليمين كما كان عهدها عند ناقشي الحجر اليونانيين واللاتين.ان ظهورالطباعة لم يسعف الحرف اللاتيني بل زاد في تثبيت جموده ذلك أنهم طبعوا الأنجيل بهذه الحروف كأول مطبوعة واسعة الأنتشار.
إن شكل الحروف وطريقة كتابة الخط العربي لم يأ تيا من فراغ وانما كانا قد تطورا وقطعا أشواطا بعيدة قبل ظهورالأسلام بقرون وقرون طويلة وهما من دون شك سليلا الخطوط والكتابات العربية الأقدم بجذورها ومصادرها العميقة سواء كانت سومرية أو أكدية،آشورية أم بابلية،هيروغليفية أم فينيقية أو أرمية . فأعتقاد البعض أو ايحائهم بأنها تطورت عن بعض الخطوط والكتابات التي وجدت في شمال الجزيرة على الطريق التجاري وتؤرخ مابين القرنين الثاني والثالث الميلادي يجانب واقع تاريخ تطور لغات وكتابات شعوب المنطقة والذين ينتمون لعائلة لغوية وعرقية واحدة. فكأن اللغة العربية والكتابات العربية ومن ضمنها النبطية لم تربطها علاقات عضوية مع الكتابات والحروف والخطوط التي استنبطت واستخدمت في العراق وسوريا ومصر وأنحاء الجزيرة،حيث كانت الكتابة ممارسة يومية واسعة في كافة الأنشطة المدنية بسبب المستوى الحضاري والريادي الذي تميزت به هذه المنطقة والتي لم يكن شعاعها محجوبا أبدا عن أهل الجزيرة المتواصلين معها منذ القدم.فبالرغم من قلة المراكز المدنية الكبيرة في الحجاز وغلبة الحياة البدوية حولها فأن هذا لم يمنع من وجود من يهتم بشؤون الكتابه وتطورها سواء في الجانب العملي كالتجارة مثلا أو الأدبي ككتابة الشعرمثلا،والكل يعرف أن شعراء العرب كانو ا يعرضون معلقاتهم على جدران الكعبة لتقرأ فهل يعقل أن تعرض هذه المعلقات دون وجود من يقرئها، ولماذا تم تدوين القرآن وانتشارصحائفه بين الناس على عهد الرسول وبعده اذا لم يكن هناك من يستطيع قرائته وهوالذي أول كلمة فيه تقول أقرأ . صحيح ان الأمية كانت منتشرة بين الناس في البادية ولكن سكان المدن الكبيرة في الجزيرة لم تكن نسبة الأميين فيها لتزيد كثيرا عن نسبتها بين سكان مدن العراق وسوريا أومصرأواليمن آنذاك .
في النهاية يمكن القول ان الكتابة من اليمين هي محصلة نهائية لسياق طبيعي وثقافي في مواقع نشأة الكتابات الأولى في بلاد المشرق،وقد واكب الأستخدام الواسع لها في مجالات عديدة متنوعة أبان عهود تطورالمراكزالحضارية الفريدة عبرفترات طويلة من الزمن مما حتم ظهورأدوات أهمها القلم الذي عبر بفن التدوين من مرحلة نقش الكتابة الى مرحلة خط الكتابة من اليمين الى اليسار.
اخترت لكم مقالا جميلا للكاتب العراقي المخضرم الأستاذ عبد الرحمن الصباغ يتحدث فيه عن الأسباب الأساسية وراء كتابتنا للغة العربية من اليمين لليسار ؛ حيث يقول :
يتساءل المرء أحيانا لماذا نكتب نحن العرب من اليمين الى اليسار، وبطبيعة الحال فإن أول جواب يتبادر لذهننا هو بما أننا نستخدم يدنا اليمنى فسيصبح من البديهي أن نكتب من اليمين لليسار. والجواب وإن كان صحيحا في بعض جوانبه، لكن سنكتشف بعد برهة أن هناك أناسا يستخدمون اليمنى ولكنهم يكتبون عكسنا أي من الشمال باتجاه اليمين وأحيانا من الأعلى للأسفل.
إذن يبدو واضحا بأن الأمر لايرجع لاختيار اليد فقط في تحديد اتجاه سيرخط الكتابة وإنما أيضا لأسباب عديدة أخرى منها الطبيعية والثقافية والعملية وأيضا المتعلقة بأدوات التدوين وباختيار شكل الحروف وطرق كتابتها. فاليد اليمنى طبيعيا وعند الغالبية العظمى من الناس أكثر مهارة وقوة من الشمال إلا إذا كان المرء أيسرا.
وثقافيا هي مفضلة عند الكثير من الشعوب ومنها العربية، بل وتكتسب عملية التفضيل هذه أحيانا نوعا من الطقوس الدينية والاجتماعية عندما يتعلق الأمر باختياراليد اليمنى للمصافحة والسلام أوالأكل والشرب والتشهد…الخ، ولما كانت الكتابة في الشرق القديم تعتبر نشاطا مقدسا وخطيرا لما لها من أهمية وارتباط بنسخ النصوص الدينية وأيضا السحر أو القوانين والتشريعات والأحكام الصادرة من السلطة أصبح من البديهي أن يبدأ بها من اليمين لأهميتها في نظرالناس، وكذلك كل تلك النشاطات الحياتية المهمة التي يراد أن يعود مردودها بالخيروالبركه على صاحبها، ذلك ان اليد اليمنى يعهد اليها بالأمورالنبيلة دون اليسرى التي يعهد لها بأمور حياتية أقل شأنا.
أما الأسباب العملية فهي عديدة وقد جعلت الحروف العربية تتطور تدريجيا لتكتب من اليمين الى الشمال فأنت لو حاولت كتابتها من الشمال الى اليمين لوجدت صعوبة واضحة.
الشيء الآخر هو أن الكتابة العربية تتميز بحروف قابلة للصق فيلاحظ وجود رسم معين لحروف بداية الكلمات وتلك الوسيطة ولآخرالكلمة في حين أن الحروف اللاتينية والتي هي أصلا حروفا منفصلة، ويجوزلصقها فقط حين الكتابة اليدوية، تخلو بطبيعة الحال من الحروف الوسطية أو الأولية أو الأخيرة ما دامت لا تلصق حروفها في الكلمة الواحدة، فالأصل فيها والحال هذه اذن أن تكون واقفة على السطر،عكس الحروف العربية التي تحورت وبمرونة لتكون قابلة للصق بواسطة وصلة ربط وهذا ما سيجعل الحرف الذي يسبق هذه الوصلة مضطرا للتمدد على السطرأي قبل الوصل ليسهل عملية لصقه بالحرف الذي يليه وهذه العملية لن تتم بالشكل الجيد الا اذا تمت الكتابة من اليمين الى الشمال بهذه الحروف.
ولننظر الآن لحروفنا العربية عند الكتابة، سنجد ان هنالك حرفين فقط، متشابهين لحد بعيد، يقفان عموديا على السطر وهما تحديدا الألف واللام من مجموع الثمانية وعشرين حرف للأبجدية العربية، وسنجد أيضا خمسة حروف لا تتمتع بقابلية ربط بوصلة تليها، ثلاثة منها فقط تكتب تحت السطرهم الزاي والراء والواو، وقد يعترض البعض ويقول ان حرفي الطاء والظاء أيضا يقفان عموديا على السطر والحقيقة أن الخط القائم الموجود عليهما هو حرف الألف بعينه، فالطاء هي تاء مضخمة بالأليف والظاء هي ضاد مضخمة أيضا بالأليف أي بعبارة أخرى ان هذه الحروف بغالبيتها طورت، ما عدا ألألف واللام، لكي تكتب بشكل أفقي وبسلاسة على السطر من اليمين للشمال بحيث تستطيع العين تصحيح الخط وضبطه بسهولة.
الشيء الآخر هي الأدوات المستخدمة في التدوين فمن المعروف أن الكتابة تتأثر شكلا ونوعا تبعا للأدوات التي تستخدم في رسم الحروف أكانت أزميلا أم شفرة أم فرشاة أو قلم..الخ،وكذلك نوعية المادة التي سيتم الرسم عليها ان كانت حجرا أم طينا او جلدا أم قماشا أوغيره كصحف البردي كما عند قدماء المصريين ومن ثم الورق بعد تحسين صناعته في بغداد أيام الرشيد،ولكل من هذه المواد أداتها الخاصة التي تناسبها فمما لاشك فيه مثلا أن الوقت الذي سيستغرقه نقش الحروف على الحجرأوالطين لن يكون نفسه بكتابتها على البردي والورق،اذ يفترض بأن يتوفرعند الأول الوقت الكافي لنقش حروفه والتي ستكون بالضرورة منفصلة أو تراكمية كما في الكتابة المسمارية على الطين وهي سوف لن تكون ملتصقة اذ أنه لم تكن هناك ضرورة لذلك، فهذه العملية أي لصق الحروف مع بعضها البعض لم تتحقق الا بالأنتقال من الكتابة المنقوشة اذا جازت العبارة الى الكتابة الخطية المعروفة بواسطة القلم والمداد فكلما تحسنت أدوات الكتابة وأصبحت أكثرمرونة وسهولة استطاع الكاتب أن يكتب بسرعة وأن يلصق حروف الكلمة الواحدة بقدرالمستطاع أختزالا لفتح المجال لكتابة كلمات أخرى على الحيز المحدد وأيضا لتمييز الكلمة عن التي تليها والتي تسبقها.
والشرق كان سباقا بأستنباط أدوات أسهل وأكثرعملية للكتابة بسبب كونه السباق لأكتشاف فن الكتابة لذا فهو طور حروفه لتتناغم مع هذه الأدوات الجديدة وبسلاسة فالمداد يسيل من القلم ويسهل من عملية انزلاقه على الصحيفة الملساء البيضاء فتمتد وتتمدد كلمات مخطوطة دوائر وأهلة وأشرعة وأمواج من اليمين للشمال بهرمونية وجمالية متناهية أكسبت الخط العربي شهرة عالمية لاتنافس.أما في المناطق الأخرى من العالم وخصوصا المناطق التي يتوفر فيها الحجر بكثرة والتي تأخرفيها ظهور الكتابة مقارنة بالمشرق فقد كان فعل الكتابة نادر وحين الضرورة القصوى وهي غالبا ما كانت على الحجر،وهذه الطريقة صعبة ومضنية وتتطلب مهارة تامة لذا فأن فن الكتابة لن يجيده سوى قلة من الناس الذين يستطيعون نقشها. وهذا عامل معوق بحد ذاته.من ناحية أخرى يتوجب عليك أن تستعين بكلتا يديك لنقش الحرف على الصخر وبطبيعة الحال سيكون الأزميل في اليد اليسرى والمطرقة باليمنى وعلى هذا الأساس فأنك ستنقش بيدك اليسرى ومن الأفضل لك اذن لكي تسيطر على ازميلك ونقشك أن تبدأ من اليسار لليمين وبحروف منفصلة واقفة ما دام عندك متسع من الوقت.
إن فن الكتابة في أوربا لم يتطور بما فيه الكفاية ليصبح فنا كتابيا خطيا الا في الكتابة اليدوية الملصقة في حين ضلت الحروف المطبعية كما هي تنسخ نفس تلك الحروف اللاتينية التي نقشت أولا على الصخر.
إن اختراع القلم والمداد في المشرق وربما تحديدا في مصركان نقلة عملاقة بالنسبة لفن الكتابة الحقيقية بمعناها العملي،وليس النقش،والتي بدأت على الجلود و القماش وغيرها من المواد ثم ترسخت على الصحف المصنوعة من البردي ومن ثم الورق الذي جائت صنعته من الصينيين الذين كانوا يستخدمون الفرشاة بدل القلم.
ولقد أنتشر استخدام الورق وجودت صناعته في المشرق العربي بشكل واسع والسبب يعود لأستخدامهم القلم في الكتابة الذي التقى وتناغم مع الورق القادم من الصين أولا.
القلم جعل الكاتب ينتقل من النقش إلى الكتابة أي مكنه أن ينزلق خطيا على الصحيفة بعد أن كان ينقش الحروف نقشا الشيئ الذي جعل الحروف تأخذ أشكالا مرنة وجديدة تتواصل بها مع القلم.وقد كانت الحروف العربية قد بدأت هذا التطور منذ اكتشاف القلم والمداد لفترة طويلة تسبق ظهورالورق،فالكتابة العربية على عهد الرسالة كانت قد وصلت لمرحلة متقدمة حتى أنها لا تختلف كثيرا عن الكتابة في الوقت الحاظر سوى بالتفاصيل الثانوية كالنقاط وأنواع الخطوط .
ولاننسى أن نشير ونحن بصدد الكلام عن القلم كيف تحدث أول آية قرآنية أنزلت بفضل القلم على الأنسان. في حين أن تأخر استخدام الورق في أوربا،والذي أنتقل أليهم تدريجيا فيما بعد من خلال العرب في الأندلس وأيضا التجارة البينية أومن خلال الحروب الصليبية،وكذلك بسبب استخدامهم للاتينية كلغة دينية ومعرفية وهي لغة شبه ميتة أدى الى بقاء الحرف اللاتيني وليومنا هذا جامدا غيرمتساوقا مع أستخدام الورق والقلم أي بكلمة أخرى لايزال الحرف اللاتيني يكتب كما كان ينقش على الحجر واقفا على السطر ومنفصلا الواحد عن الآخرالا في حالة الكتابة اليدوية.وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل الكتابة عند الأوربيين هي من الشمال لليمين كما كان عهدها عند ناقشي الحجر اليونانيين واللاتين.ان ظهورالطباعة لم يسعف الحرف اللاتيني بل زاد في تثبيت جموده ذلك أنهم طبعوا الأنجيل بهذه الحروف كأول مطبوعة واسعة الأنتشار.
إن شكل الحروف وطريقة كتابة الخط العربي لم يأ تيا من فراغ وانما كانا قد تطورا وقطعا أشواطا بعيدة قبل ظهورالأسلام بقرون وقرون طويلة وهما من دون شك سليلا الخطوط والكتابات العربية الأقدم بجذورها ومصادرها العميقة سواء كانت سومرية أو أكدية،آشورية أم بابلية،هيروغليفية أم فينيقية أو أرمية . فأعتقاد البعض أو ايحائهم بأنها تطورت عن بعض الخطوط والكتابات التي وجدت في شمال الجزيرة على الطريق التجاري وتؤرخ مابين القرنين الثاني والثالث الميلادي يجانب واقع تاريخ تطور لغات وكتابات شعوب المنطقة والذين ينتمون لعائلة لغوية وعرقية واحدة. فكأن اللغة العربية والكتابات العربية ومن ضمنها النبطية لم تربطها علاقات عضوية مع الكتابات والحروف والخطوط التي استنبطت واستخدمت في العراق وسوريا ومصر وأنحاء الجزيرة،حيث كانت الكتابة ممارسة يومية واسعة في كافة الأنشطة المدنية بسبب المستوى الحضاري والريادي الذي تميزت به هذه المنطقة والتي لم يكن شعاعها محجوبا أبدا عن أهل الجزيرة المتواصلين معها منذ القدم.فبالرغم من قلة المراكز المدنية الكبيرة في الحجاز وغلبة الحياة البدوية حولها فأن هذا لم يمنع من وجود من يهتم بشؤون الكتابه وتطورها سواء في الجانب العملي كالتجارة مثلا أو الأدبي ككتابة الشعرمثلا،والكل يعرف أن شعراء العرب كانو ا يعرضون معلقاتهم على جدران الكعبة لتقرأ فهل يعقل أن تعرض هذه المعلقات دون وجود من يقرئها، ولماذا تم تدوين القرآن وانتشارصحائفه بين الناس على عهد الرسول وبعده اذا لم يكن هناك من يستطيع قرائته وهوالذي أول كلمة فيه تقول أقرأ . صحيح ان الأمية كانت منتشرة بين الناس في البادية ولكن سكان المدن الكبيرة في الجزيرة لم تكن نسبة الأميين فيها لتزيد كثيرا عن نسبتها بين سكان مدن العراق وسوريا أومصرأواليمن آنذاك .
في النهاية يمكن القول ان الكتابة من اليمين هي محصلة نهائية لسياق طبيعي وثقافي في مواقع نشأة الكتابات الأولى في بلاد المشرق،وقد واكب الأستخدام الواسع لها في مجالات عديدة متنوعة أبان عهود تطورالمراكزالحضارية الفريدة عبرفترات طويلة من الزمن مما حتم ظهورأدوات أهمها القلم الذي عبر بفن التدوين من مرحلة نقش الكتابة الى مرحلة خط الكتابة من اليمين الى اليسار.